سياسة

“صراع” بين الحريري والسنيورة… هل يعود “الشيخ سعد” عن اعتكافه؟!

بكلماتٍ غلب عليها “الودّ الظاهر”، ولو كمن خلفها وبين طيّاتها “النقيض” بلا منازع، خاطب الأمين العام لتيار “المستقبل” ​احمد الحريري، قبل أيام، رئيس الحكومة الأسبق ​فؤاد السنيورة، متّهمًا إياه بـ”محاكاة الحملات” التي تستهدف التيار ورئيسه ​سعد الحريري، عبر وضع قرار الأخير تعليق المشاركة في الانتخابات، في خانة “تسليم البلد إلى ​حزب الله​ و​ايران​”.

صحيح أنّ أحمد الحريري تعمّد الحديث عن “غيرة غير مستجدّة” من السنيورة على تيار “المستقبل”، إلا أنّ الرسالة “غير الودّية” التي تضمّنها تصريحه طغت على كلّ ما عداه، ولو أنّ الوقائع التي سبقتها حجبت عنها “عنصر المفاجأة”، باعتبار أنّ “الخلاف” الذي لطالما كان موجودًا، ولو بخجل، بين الحريري والسنيورة، أضحى “أمرًا واقعًا” لا يمكن نكرانه.

ولعلّ من يتابع الشأن الانتخابي منذ إعلان الحريري عزوفه عن المشاركة فيه، وانخراط السنيورة فيه، رغمًا عن قرار “الشيخ سعد”، يدرج حجم “التنافر” الآخذ في التصاعد بين الجانبين، لدرجة أنّ حديثًا يدور بقوة في الكواليس أنّ الحريري بدأ خوض “معركة موازية” ضدّ السنيورة شخصيًا، من خلال دعم الشخصيات واللوائح التي تنافسه في العاصمة وخارجها.

فلماذا “يتعمّق” الخلاف بهذا الشكل بين الحريري والسنيورة وهما اللذان يفترض أن يمثلا الخط السياسي نفسه، واللذان بقيا إلى جانب بعضهما البعض رغم كلّ الاختلافات حتى ما قبل الانتخابات؟ وهل يعود الحريري عن اعتكافه، كما يرجّح كثيرون، ليدعو قبل ساعات من الانتخابات إلى دعم لوائح محدّدة، في إطار “تحدّي” السنيورة بالحدّ الأدنى؟!.

يقول العارفون إنّ العلاقة بين الحريري والسنيورة لم تكن يومًا “مثاليّة”، ولو أنّ الأخير كان يصنّف نفسه “الرجل الثاني” في تيار “المستقبل”، فضلاً عن ترؤسه كتلة “المستقبل” لفترات طويلة، بل إدارته لشؤون التيار في مراحل “اعتكاف” رئيسه المتنوّعة، من دون أن ننسى الدور الذي لعبه في المرحلة “الانتقالية” بعد اغتياله مؤسس التيار رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وقد ساعدته في ذلك العلاقة “المتينة” التي كانت تربطه الأخير.

ولعلّ مظاهر هذا الخلاف ظهرت بقوة في مرحلة سابقة، حين “اعتكف” الحريري خارج البلاد، بعد إسقاط حكومته بالضربة القاضية من جانب تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحر​”، حيث استغلّ السنيورة الظرف لفرض نفوذه داخل “المستقبل”، وهو ما أدّى إلى بروز جناحين متصارعين في التيّار، أحدهما محسوب على السنيورة، ويميل نحو التطرف، وقوامه شخصيات “غير مستقبلية” بالمعنى التنظيمي، فيما الثاني يميل أكثر نحو “الاعتدال” إن جاز التعبير.

ومع عودة الحريري من “منفاه الاختياري” يومها، وجد نفسه أمام مهمّة غير سهلة لإعادة “توحيد” التيّار، الذي كاد “يجنح” نحو “التطرف” في زمن حاولت فيه التنظيمات المتشدّدة تصوير نفسها على أنها “البديل”، وقد نجح “الشيخ سعد” في المهمّة في نهاية المطاف، رغم كلّ التعقيدات، التي تطلّبت منه “قصّ بعض الأجنحة”، إن جاز التعبير، وهو ما نتج عنه خروج معظم الشخصيات “السنيورية الهوى”، إن جاز التعبير، من التيار “الأزرق”.

بعد ذلك، عمل الرجلان على إعادة “ترتيب” العلاقة بينهما، فبقيا إلى جانب بعضهما البعض رغم كلّ شيء، مع تراجع واضح في “نفوذ” السنيورة، الذي تحوّل لقب “رئيس ​كتلة المستقبل​” الذي فقده أساسًا في انتخابات 2018، بمثابة “جائزة الترضية” بالنسبة إليه، كما جاء “نادي رؤساء الحكومات السابقين” الذي جمعهما في مرحلة من المراحل لـ”يقوّي” ظاهريًا العلاقة، من دون أن ينجح في الحدّ من “اللبس والغموض” اللذين أحاطا بها في كلّ المراحل.

لكنّ موسم انتخابات 2022 جاء على ما يبدو ليشكّل “الحدّ الفاصل” في هذه العلاقة، وليفضح على الملأ “الصراعات” بين الرجلين، التي تكشّفت سريعًا منذ إعلان الحريري عزوفه عن المشاركة، وحذو كثيرين حذوه سواء عن قناعة أو تحت الضغط، ومن بين هؤلاء السنيورة، الذي فصل بين عدم الترشح على المستوى الشخصي، وعدم الخوض في الشأن الانتخابي بالمطلق، والذي يرتقي لمستوى “المقاطعة” إن جاز التعبير.

ومع أنّ السنيورة لم يكن الوحيد من المحسوبين على “المستقبل”، ممّن “تمرّدوا” على قرار القيادة، إن جاز التعبير، حيث يخوض الكثير من نواب الكتلة “الزرقاء” الانتخابات، كما اضطر “المحازبون” بينهم إلى تقديم استقالاتهم من صفوف التيار، إلا أنّ الواضح أنّ “الغضب المستقبليّ” عليه هو الغالب، بل إنّ عددًا من المرشحين والنواب يحظى بدعم “القيادة” من خلف الكواليس، بشكل غير مباشر بالحدّ الأدنى.

ويقول بعض المحسوبين على “المستقبل” إنّ السنيورة ارتكب أكثر من “خطيئة” في حملته الانتخابية، أدّت إلى “نفور” جماهير التيار قبل قيادته منه، وهو ما يُرصَد أساسًا على الأرض، أولها أنّه لم يوفّر الحريري نفسه من هجومه سعيًا وراء بعض الأصوات من هنا أو هناك، وهو ما يبدو واضحًا بتمسّكه برواية رفضه “إخلاء الساحة” لفريق “حزب الله” وإيران، في تبنٍّ للرواية التي تتّهم الحريري بـ”الخضوع” بشكل أو بآخر.

أما الخطأ الثاني، والذي قد يفوق الأول من حيث حجم “الخطورة” بالنسبة إلى الجمهور “المستقبليّ”، فيكمن في أنّ السنيورة “قفز” فوق خيارات الحريري السياسية، ولم يُراعِ شعوره، ولا سيما حين مدّ يده إلى “القوات اللبنانية”، متحالفًا معها، من دون أيّ اعتبار لموقف الحريري، الذي لا يبالغ كثيرون بالقول إنّه فضّل الانسحاب من المعركة بالمطلق على التحالف معها، كما كان مطروحًا على أكثر من مستوى.

لكلّ هذه الأسباب، يعتقد كثيرون أنّ الحريري قد “يقلب الطاولة” على السنيورة، بخروجه عن اعتكافه في اللحظة الأخيرة، ودعوته جماهير “المستقبل” للمشاركة والاقتراع، انسجامًا مع حراكي ​السعوديه​ ودار الفتوى، والأكيد أنّ هذه المشاركة لن تكون لصالح السنيورة، ولو أنّ بعض المحسوبين على “المستقبل” ينفون مثل هذه الفرضية، مؤكدين أنّ الحريري “ثابت” على موقفه، وأنّ الجمهور “حرّ” في اتخاذ القرار الذي يناسبه.

قد ينجح السنيورة في تحقيق مبتغاه، وهو الذي يسعى لتكريس “زعامته” بشكل أو بآخر، وقد يفشل في ذلك، خصوصًا أنّ التقديرات لا تمنح لائحته في بيروت مثلاً “تقدّمًا”، إلا أنّ الأكيد أنّ ما كان “مستترًا” في العلاقة بينه وبين الحريري، أضحى “واقعًا” غير قائم على التسريبات، والأكيد أكثر أنّه سيترك “جرحًا” بعد الانتخابات قد يستحيل “تضميده” في المدى القريب!.

المصدر: النشرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى